قصة مؤثرة ,,,,, دمرت أمي كل حياتي...
وعشتُ حياة هادئة مِن بعد ذلك ولم أكن أهوى النساء بل الأعمال. وبعد أنّ مرَّت سنوات عديدة وكبرَ أولادي وتوفّي والداي، شعرتُ بالوحدة. لم أقطع زياراتي لمُنى ولكنّها لم تعد تحبّ رؤيتي، وكانت في غالب الأحيان ترفض أن تقابلني. وكان أبناؤها قد سئموا مِن التمثيل مِن زمن بعيد وما عادوا يتكبّدون عناء زيارتها.
كان قلبهم بسواد الليل، ولم يسكن بالهم سوى أمر واحد: المال. كنتُ قد قرّرتُ أن أجعل منهم رجالاً أقوياء وأن أحملهم على اتباع خطواتي، أي الإتكال على أنفسهم، لذا أعطَيتُ كلّ واحد منهم مبلغًا كافيًا لبدء عمل جيّد وتطويره. إلاّ أنّهم أرادوا كلّ شيء وعملوا على تدميري مِن الدّاخل. فادّعوا أنّهم لا يطيقون رؤيتي وحيدًا وأنّ عليّ إيجاد رفيقة لحياتي، وتوصّلوا إلى إيجاد العروسة المناسبة لي. فرِحتُ لهذا الكمّ مِن المحبّة والغيرة على سعادتي، فقبلتُ أن أتعرّف إلى سَمَر، إمرأة جميلة وجذّابة. وهم إختاروها لي حتى تنفّذ أوامرهم وخطتّهم بأن تأخذ منّي ما يُمكنها.
ولأنّني كنتُ قد بقيتُ سنوات مِن دون أن أحبّ أحدًا، وقعتُ بغرام سَمَر التي كانت متمرّسة بإيقاع الرّجال في شباكها. ونسيتُ مُنى وعالم الأعمال وكلّ ما لا يتعلّق بتلك المخلوقة الرّائعة. وتزوّجتُها بعد أن كتبتُ لها قسمًا كبيرًا مِن أملاكي، لأنّها خافَت أن يُشكّل فرق العمر بيننا تهديدًا لمستقبلها. فالجدير بالذكر أنّني أكبر سَمَر بعشرين سنة.
وبدأ استنزافي مِن كلّ الجهّات. تارة كان أولادي يُطالبوني بالمزيد، وتارة أخرى كانت زوجتي تفتعل المشاكل لأصالحها بالمجوهرات والشيكات وكلّ ما يُمكنها بيعه وقبض ثمنه.
وجاءَت سَمَر بأخيها ليعرض عليّ مشروعًا قال إنّه مربح. لم أكن بحاجة إلى هذا النوع مِن المغامرة خاصة بعدما تقلّص حسابي المصرفيّ وحصصي في شركتي. إلا أنّني لم أستطِع الرفض، فكنتُ أعلم أنّ زوجتي ستستاء كثيرًا منّي، لأنّها كانت جد مقرّبة مِن ذلك الأخ الغامض. كيف لم أرَ المكيدة آتية وأنا رجل أعمال متمرّس؟ الحبّ يا عزيزتي... الحبّ يُعمي ويجعل مِن المرء طفلاً صغيرًا أعمىً.
وأخَذَ أخ سَمَر كلّ ما استثمرتُه في ذلك المشروع وما تبقّى لي وهَرَبَ إلى الخارج. ولامَتني زوجتي على كلّ شيء، وانقَلَب أولادي ضدّي، لأنّهم لم يعودوا بحاجة إليّ بعدما تقاسموا مع سَمَر وأخيها الغنيمة.
ولكثرة حسرتي، إنتكَسَت صحّتي ولم تعد تريدني زوجَتي في البيت لأنّني بنظرها "عجوز لا نفع منه". ولم يعرض أيّ مِن أولادي أن يهتمّوا بي، بل قالوا لي وبكلّ بساطة إنّ مِن الأفضل للجميع أن أذهب بإرادتي إلى دار العجزة على أن أُجبَر على ذلك. وفهمتُ الرّسالة. إتصَلتُ بصديق قديم لي كنتُ قد أسدَيتُ إليه في ما مضى خدمة كبيرة درَّت عليه مبالغ كبيرة، وطلبتُ منه أن يتكفّل بمصاريف الدّار. قَبِل على الفور وبكلّ طيبة قلب. وها أنا هنا اليوم.
ـ ومُنى؟ ماذا حَدَث لها؟
ـ ماتَت... ولم أحضر جنازتها... سَمَر منعَتني مِن ذلك، لأنّها كانت تريدني أن أبتعد كلّ البعد عن حياتي السابقة... يا لغبائي... هل أنا إنسان سيّئ؟ هل أستحقّ ما حَدَث لي؟
ـ أبدًا سيّدي... إنسانة عظيمة قالَت لي يومًا: "إنتبهي يا ابنتي... قلبكِ طاهر وليس الجميع مثلكِ".. كانت خائفة عليّ ولكنّني لستُ بطيبتكَ... سيأتي يوم و...
ـ وألتقي مجدّدًا بمُنى... أوّد ذلك مِن كلّ قلبي... ليس فقط بسبب حبّي لها واشتياقي إليها، بل أيضًا لأطلب منها السّماح لأنّني لم أرَ ما كان يحدث... ولو فعلتُ لما قضَت حياتها مذلولة... الذنب ذنبي!
ـ الذنب ذنب والدتكَ التي لم تحبّكَ كفاية لتربية أحفادها على احترامكَ واحترام أمّهم.
ـ أمّي لم تحبّ أحدًا يومًا... هل تظنّين أنّني سأراها هي الأخرى عندما أرحل مِن هذه الدنيا؟ وماذا سأقول لها؟ وهل ستعذّبني أنا ومُنى مجدّدًا؟
ـ لا أظنّ ذلك سيّدي... فمكانها ليس معكَ ومع مُنى... إنّ الله يُحاسبنا على أفعالنا ويأخذ لنا حقنّا... وحتى ذلك الحين، تأكّد من أنّكَ بين أيادٍ أمينة، فسأعمل على أن تحظى بالرّعاية اللازمة هنا... إعلم يا سيّد عيسى أنّ منذ اليوم أصبَحَ لكَ صديقة جديدة.