الجزء التاني : قصة انا وحيدة في هذه الدنيا

 الجزء التاني : قصة انا وحيدة في هذه الدنيا 



لقد تمنَّيتُ لنفسي الموت إلا أنّني لَم أمُت بل تزوّجتُ مِن مُعين، شاب جاهل ومعدوم الرّحمة يُعاملُ النساء وكأنّهن قطيع مِن الماشية، ورحتُ أعيشُ معه عند أهله كما تجري العادة. ومنذ دخولي ذلك البيت، أدركتُ أنّ حياتي ستكون بائسة. فالكلّ إتّحَدَ ضدّي، أنا الدخيلة والتي لا تستحقّ إبنهم العظيم. العظيم؟!؟ لَم يكن يعرف مُعين كتابة حتى إسمه! فهو لَم يعرف سوى ذَبح البقر وإشباع رغباته مِن أكل وجنس. كان شبيهًا بتلك الحيوانات التي يقتلُها مِن دون أن ترمش له عَين. للحقيقة، كنتُ أخافُ أن يذبحَني أنا الأخرى، إذ أنّه كان يُمسكُ بالسكاكين كلّما غضِبَ منّي لأتفه سبب، لِذا كنتُ أفعلُ جهدي لإرضائه بشتّى الطرق. والطريقة الأنسَب، إلى جانب تلبية حاجاته الجسديّة طبعًا، كانت الإنصياع لأمّه، وهي إمرأة قاسية وطاغية.


لَم تسأل عنّي أمّي بعد زواجي، فقد كان الأمر وكأنّني متُّ أو سافرتُ بعيدًا. تبادلتُ بعض المكالمات الهاتفيّة مع أخواتي، لكن سرعان ما نسينَ أمري أيضًا. فلَم نتربَّ على العاطفة واللُحمة بل على أنّ كلّ واحدة تعيشُ لنفسها.

لَم أستطِع الإنجاب إذ أسقطُّ أربعة أجنّة، الأمر الذي زاد مِن إمتعاض حماتي وزوجي بعد أن ثبُتَ لهما أنّني حقًّا غير نافعة بشيء. إلا أنّني شكرتُ ربّي ضمنيًّا لأنّني لَم أجلِبَ طفلاً إلى هكذا عائلة، فمِن المؤكّد أنّه كان سيصير شبيهًا بهؤلاء الناس.

بعد ثلاث سنوات على زواجي، قرَّرَ مُعين أنّ عليّ مُغادرة بيته لأنّه لَم يعُد يُريدُني. أُغادِر لأذهب إلى أين وإلى مَن؟!؟ خفتُ كثيرًا مِن المصير الذي ينتظرُني، إذ أنّ والدتي رفضَت رفضًا قاطعًا إستقبالي قائلة: "لَم أصدِّق أنّكِ غادَرتِ". إتّصَلتُ بأخواتي المُتزوّجات ولاقَيتُ الرفض نفسه. كنتُ قد أصبحتُ التي لا يُريدُها أحد وشعرتُ بفراغ لا مثيل له.

جمعَت حماتي أمتعتي في حقيبة بعد أن أسرَعَ مُعين بتطليقي وأعطَتني بعض المال. تفاجأتُ بذلك الكرَم المُفاجئ، إلا أنّها كانت تُعطيني مؤخَّري فقط لتُنهي أيّة صلة بيننا. لَم يتكبّد مُعين عناء توديعي حتى، فهو غادَرَ البيت باكرًا كي لا يكون موجودًا حين أرحَل. رحتُ أقِفُ إلى جانب الطريق أبكي وأنا أنتظرُ الباص، لأستقلّه إلى وجهة غير معروفة منّي.

بقيتُ جالسة في الباص بعد أن نزِلَ كلّ الركّاب منه وإلى أن وصَلنا إلى آخر محطّة، فاستدارَ نحوي السائق وسألَني مُستهزئًا إن كنتُ أنوي البقاء مكاني حتى الغد. نظرتُ إليه بحزن كبير وعاودتُ البكاء. عندها تركَ الرجل كرسيّه وراء المقوَد وسألَني:

 

ـ ما بكِ يا صغيرتي؟ لِما كلّ هذا البكاء؟

 

ـ ليس لدَيّ مكان أذهبُ إليه... فلا أحدٌ يُريدُني.

 

قصَّيتُ له ما حدَثَ لي وهو استمَع لي بِصمت ثمّ أضافَ:

 

ـ تعالي معي إلى البيت... لا تخافي، فأنا رجل مُتزوّج ولدَيّ أربعة أولاد. ستنامين عندنا ونرى غدًا ما يجب فعله.

 

رحتُ مع الرجل لأنّني لَم أكن أملكُ خيارًا آخر. إضافة إلى ذلك، كنتُ في حالة يأس كبير ولَم يعُد يهمُّني ما قد يحصل لي.

إستغربَت زوجة السائق أمر وصولي بيتها ليلاً مع حقيبتي، لكنّها كانت لطيفة معي شرط ألا يطول مكوثي عندهم. أكلتُ مِن طعامهم ونمتُ على فراش وُضِعَ لي على الأرض. نمتُ نومًا عميقًا لكثرة بكائي لساعات، واستفقتُ على صوت الزوجة تقول لي إنّ الوقت حان للبحث في مصيري. كان السائق جالسًا في المطبخ بانتظاري لتناول الفطور معي وقال:

 

مواضيع اخرى

سجل في الموقع واربح معنا