الجزء التاني :هده هي قصة غلطة أمي تابع معنا

 الجزء التاني :هده هي قصة غلطة أمي تابع معنا 



بعد يومَين، جاءَت إلينا مِرفت وأمّها وكلّمَتهما والداتي عن وسيم وانتهَت الجلسة بالموافقة. فكان لا بدّ لمِرفَت أن تجدَ عريسًا لتُسكِت ألسُن الناس عنها وعن مواعيدها الليليّة مع الشبّان. كنتُ قلقة على وسيم الذي كان بالفعل وسيمًا، وأعترفُ أنّني كنتُ مُعجبة به بالرغم مِن فارق العمر بيننا. ولو كنتُ أكبر سنًّا لتزوّجتُه أنا. كنتُ أحبُّ فيه هدوءه ومعرفته الواسعة بمواضيع مُختلفة، إذ أنّه كان يقرأ في كتبه طوال الوقت، أي عندما كان يعودُ مِن عمله ويجلسُ في ساحة القرية لساعات طويلة حاملاً الكتب والمجلات. أمّا مِرفت، فكان كلّ همّها مظهرها ولبسها ومَن تُعجِبُ ومن نظَرَ أو لَم ينظُر إليها.


تمَّت الزيجة بعد أشهر قليلة، وذهَبَ الثنائيّ إلى شهر العسل قبل أن يسكنا في بيت وسيم الفارغ منذ موت والدَيه. وكان للعريس أخ واحد مُسافر بعيدًا فقط.

تابعَت أمّي تزويجها للناس بينما بدأَت الأحداث تتطوّر في بيت وسيم وعروسه. فبعد أسابيع قليلة على زواجهما، عادَت مِرفت إلى عادتها القديمة، أي التعاطي مع مُعجبيها الذين لَم يتقبّلوا إفلات هكذا إنسانة سهلة مِن بين يدَيهم. فصارَت تخرجُ يوميًّا خلال النهار ومِن ثمّ مساءً بحجّة مُلاقاتها صديقاتها. إلا أنّ الأمور لا تبقى مخفيّة مطوّلاً، فبدأَت الأخبار تصلُ إلى وسيم الذي طلَبَ مِن زوجته التقليل مِن خروجها مِن البيت تفاديًا لِما أسماها "إشاعات"، فالمسكين لَم يُصدِّق أنّ عروسًا قد تتجرّأ على خيانة عريسها هكذا.

في تلك الفترة بالذات زارَنا وسيم شاكيًا، فطمأنَته والدتي بأنّ مِرفت لَم تتأقلَم بعد على الحياة الزوجيّة، وعادَت وأكّدَت له أنّها إنسانة خلوقة وسيّدة منزل رائعة. إقتنَعَ منها وسيم وغادَرَ وقلبه مليء بالأمل والاطمئنان. كدتُ أخرجُ مِن مَخبئي لأصرخَ له بأنّ عليه تركها ونسيانها، إلا أنّني تراجعتُ عن ذلك، فما دخلي أنا؟ وسنّي لَم يكن يسمحُ لي بالتدخّل في أمور البالغين لقلّة خبرتي في الحياة، حسب قول والدتي.

تفاقمَت الأوضاع بعد أقلّ مِن سنة، حين طفَحَ كيل وسيم مِن زوجته التي لَم تصطلِح بل زادَت وقاحة. فهي لَم تُحِبّ زوجها أو حتى تُقدِّره بل اعتبرَته فقط وسيلة لِمتابعة حياة الانحلال تحت غطاء التستّر ولقب الزوجة. وصارَ المسكين محطّ سخرية ليس فقط عشّاق مِرفَت بل البلدة بأسرها. ربمّا لو أنجبَت تلك المرأة طفلاً لحدَثَ تغييرٌ ما، إلا أنّها، وحسب تقديري، أرادَت أن تبقى حرّة تمامًا في حال وجدَت أفضل مِن زوجها. وهذا ما حصَلَ بالفعل، فذات صباح، إستَيقظَ وسيم على بيت خالٍ تمامًا مِن وجود زوجته التي رحلَت مع أحدٍ ما آخذةً معها ملابسها وحُليها وكلّ ما كان له قيمة في البيت.

علِمتُ على الفور أنّ الذي كان يدقُّ بابنا ذات مساء بهذه الطريقة العنيفة كان بغاية الغضب، إلا أنّني لَم أتصوّر أبدًا أنّه وسيم العاقل والهادئ. وحين فتَحَ له أبي، أزاحَه العريس جانبًا بقوّة صارخًا: "أين تلك الكاذبة؟ أين زوجتكَ؟". حاوَلَ والدي الاستفهام منه وتهدئته، لكن مِن دون جدوى.

أطلَّت أمّي لدى سماعها الصراخ وتفاجأَت بوسيم الذي ركَضَ إليها كالمجنون، وأمسكَها بعنقها فجأة وهزّها بقوّة قائلاً: "قلتِ لي إنّها فتاة بريئة ومُحترمة! أيّتها الأفعى! سأقتُلكِ!".


وحين وقَعَ وسيم أرضًا، سادَ السكوت واستطعتُ رؤية المشهد بوضوح: كان أبي لا يزال يحملُ بيَده وعاء الزهور الضخم الذي استعملَه ليوقفَ وسيم ويمنعُه مِن قتل أمّي. أمّا بالنسبة للشاب، فسبِحَ بلحظة بدمائه، وكان مِن الواضح أنّه مات. بعد ذلك، تسارعَت الأحداث، إذ أنّ أبي أدخَلَ زوجته إلى الغرفة وأسرَعَ بالاتّصال بالشرطة قائلاً: "لقد قتلتُ شابًا كان سيخنقُ زوجتي". وصَلَ رجال الأمن بعد دقائق وبدأَت التحقيقات. حينها فقط انتبهوا جميعًا إلى وجودي. أدلَيتُ بإفادتي وأخذوا والدي معهم ورحلوا. رحتُ أواسي والدتي وهي بقيَت تضربُ بنفسها وتصرخُ:" أنا السبب! "، إلى أن تعِبَت ونامَت. بقيتُ صاحية حتى الفجر أفكّرُ بالذي حصَلَ، وكيف أنّ شابًّا ماتَ ورجلاً سيدخلُ السجن بسبب زواج لَم يكن مِن المفروض أن يحصل. فكّرتُ أيضًا بوسيم، أي كيف أنّه تحوّلَ إلى مُجرم مِن دون إنذار مُسبق، فهو كان حقًّا ينوي خنق أمّي. هل كان يُمثّلُ علينا جميعًا دور الإنسان العاقل والمُثقّف أم أنّ ما فعلَته به مِرفت وكلام الناس حوّله إلى شخص عدائيّ إلى أقصى درجة؟

 



مواضيع اخرى

سجل في الموقع واربح معنا